هل يا ترى بانتهاء الحساب تنتهى أهوال القيامة ؟!!
كلا .. !! كلا .. !!
بل إذا انقضى الحساب أمر اللـه جلا وعلا أن ينصب الميزان فإن الحساب لتقرير الأعمال ، وإن الوزن لإظهار مقدارها ليكون الجزاء بحسابه وليظهر عدل اللـه للبشرية كلها فى ساحة الحساب فتوزن أعمال المؤمن لإظهار فضله ، وتوزن أعمال الكافر لإظهار خزيه وذله على رؤوس الأشهاد وما ربك بظلام للعبيد .
والآن نسأل ...
ما هو الميزان ؟!
: ما هو الميزان ؟!
الميزان على صورته وكيفيته التى يوجد عليها الآن من الغيب الذى أمر الصادق المصدوق أن نؤمن به من غير زيادة ولا نقصان ، وهذه هى حقيقة الإيمان ، فيا خسران من كذب بالغيب وأنكر وضع الميزان ، و فتح فى آيات الرحيم الرحمن واستهزاء بكلام سيد ولد عدنان ، ثم تطاول فقال قول ملحد خبيث جبان : " لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال أو الفوال " وما أحراة بأن يكون من الذين لا يقيم اللـه لهم يوم القيامة وزناً ([1]) .
لأنه بجهله وغباءه وانغلاق قلبه ظن أن ميزان الآخرة كميزان الدنيا ، ومن البديهى أن جميع أحوال الآخرة لا تكيف أبداً ولا تقاس البتة بأحوال الدنيا ، ولقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه اللـه إجماع أهل السنة على : الإيمان بالميزان وأن الميزان له لسان وكِـَـفتان - بكسر الكاف وفتحها واللغتان صحيحتان - وأن أعمال العباد توزن به يوم القيامة .
وقال الإمام بن أبى العز الحنفى فى شرح العقيدة الطحاوية المشهورة قال: " والذى دلت عليه السنة أن الميزان الذى توزن به الأعمال يوم القيامة له كفتان حسيتان مشاهدتان " أ.هـ ([2]) .
والله أعلم بما وراء زلك من الكيفيات .
أيها المسلم لا يعلم حقيقة الميزان وطبيعة الميزان وكيفية الميزان إلا الملك الرحمن ، وإلا فهل تستطيع أن تتصور ميزانا يوضع فى يوم القيامة يقول فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( لو وزنت فيه السموات والأرض لوزنها )) .
كيف تصور هذا الميزان ؟!
ففى الحديث الذى رواه الحاكم فى المستدرك وصححه على شرط مسلم وأقر الحاكم الذهبى بل وصحح إسناد الحديث الألبانى فى السلسلة الصحيحة من حديث سلمان الفارسى أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم قال : (( يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوزنهما ، فإذا رأته الملائكة قالت : يارب لمن يزن هذا ؟ قال : لمن شئت من خلقى ، فتقول الملائكة : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك )) .
تأمل .. لقد عرفت الملائكة أنها ما عبدت الرحمن حق عبادته من شدة الهول والرعب ، فإن مشهد الميزان من أرهب مشاهد القيامة فالميزان حق ، قال جل وعلا { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }
[ الأنبياء : 47 ]
بين اللـه تعالى أنه يضع الموازين بالقسط ( أى بالعدل ) وكفى باللـه جل وعلا حسيبا ، والراجح من أقول أهل العلم أن الميزان يوم القيامة ميزان واحد .
فما جوابك على الجمع فى قوله تعالى { ونضع الموازين } الراجح من أقوال العلماء أن الجمع فى الآية باعتبار تعدد الأوزان أو الموزون ، لأن الميزان يوزن فيه أشياء كثيرة ، وبين الملك العدل أنا الميزان إن ثقل لو بحسنة واحدة فقد سعد صاحبها سعادة لا يشقى بعدها أبداً ، وإن خف الميزان ولو بسيئة واحدة فقد شقى صاحبه شقاوة لا يسعد بعدها أبداً ، قال جل وعلا : { فَإذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ(101)فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(102)وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ(103)تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [ المؤمنون : 101 - 104 ] .
انظر إلى دقه عدل الملك من ثقل ميزانه لو بحسنة واحدة سعد سعادة لا شقاوة بعدها أبداً ، ومن خف ميزانه شقى شقاوة لا سعادة بعدها أبداً ، أما من استوت موازينه ، أى استوت حسناته مع سيئاته ، فهو على الراجح من أقوال العلماء من أهل الأعراف الذين قصرت بهم سيئاتهم فلم يدخلوا الجنة ومنعتهم حسناتهم من أن يدخلوا النار ، يحبسون على قنطره بين الجنة والنار ، إذا التفت أهل الأعراف إلى أهل الجنة سلموا عليهم { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } [ الأعراف : 46 ] .
أى لم يدخلوا أهل الأعراف الجنة وهم يرجون رحمه اللـه ، ويطمعون أن يدخلوا الجنة ، وإذا التفتوا إلى الناصية الأخرى ورأوا أهل الجحيم تضرعوا إلى الملك العليم ألا يجعلهم مع القوم الظالمين .
قال جل وعلا : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ(46)وَإذا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَالَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [ الأعراف : 46 - 47 ] .
إذا أيها المسلم الموحد حرى بك إذا ما تعرفت على أقسام الموازين الثلاثة ألا تحتقر أى عمل صالح ولو قل ، وألا تستهين بمعصية واحدة ولو صغيرة ، فأعلم أنه بحسنة واحدة يثقل الميزان وبسيئة واحدة يخف الميزان ، بل بكلمة واحدة نقاد إلى رضا الرحمن ، وبكلمة واحدة ننال سخط الجبار .
ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
(( إن العبد ليتكلم بكلمة من رضوان اللـه لا يلقى لها بالاً يرفعه اللـه بها فى الجنة ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللـه لا يلقى لها بالاً فيهوى بها فى جهنم )) ([3]) .
قد يستهين كثيراً منا بخطورة الكلمة ، وكم من كلمات أشعلت حروباً بين أمم ودول !! وكم من كلمات أطفأت حروباً بين أمم ودول .
يا صاحب الكلمة اعلم علم اليقين أن كلمه تدخل المرء فى دين اللـه ، وكلمة تبنى بيت وكلمة تهدم بيت ، وكلمة تحل فرج امرأة لرجل ، وكلمة تحرم فرج امرأة لرجل .
فالكلمة لها خطرها الجسيم فى دين اللـه فبكلمة تنال الرضوان ، وبكلمة تتعرض لسخط الرحمن ، فحسنه تثقل ميزان العبد وتدخله الجنة وسيئه تخف ميزان العبد وتدخله النار ، لذا ثبت فى صحيح مسلم من حديث أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
(( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو تلقى أخاك بوجه طلق )) ([4]) .
لا تقل هذا عمل بسيط ، هذه طاعة صغيرة أو حقيرة ، فكم من عمل صغير عظمته النية !! وكم من عمل عظيم حقرته النية !!
فلا تحقرن من المعروف شيئاً فإن عجزت فإنك لن تعجز أيها المسلم أن تهش وتبش فى وجه إخوانك ، فما من بيت تخلو منه المشاكل ، فابتسامتك هذه التى تحتقرها من الممكن أن تسعد قلب حزين ، فابتسامتك هذه ممكن أن تزيل ألم أخيك النفسى ، فما ذنب أخيك أن تلقاه بوجه عبوس كئيب.
بل لقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة :
(( إن امرأة بغياً رأت كلباً فى يوم حار يطوف ببئر ، قد أدلع لسانه من العطش ، فنزعت له بموقها ( أى أنها استقت له من البئر ، والموق هنا هو الخف ) فغُفِر لها )) ([5]) .
أود أن أقول : إذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا فكيف تصنع الرحمة بمن وحد رب البرايا ؟!
نعم نحتاج إلى رحمه ، نحتاج إلى رفق ، فالرحمة والرفق لا يهدمان ولا يفسدان أبداً ، والشدة والعنف يهدمان ويفسدان ، هذه سنة اللـه فى خلقه ، ما كان الرفق فى شىء إلا زانه وما نزع الرفق من شئ إلا شانه .
ففى الصحيحين البخارى ومسلم من حديث ابن عمر رضى اللـه عنهما قال صلى الله عليه وسلم:
(( عذبت امرأة فى هرة حبستها حتى ماتت جوعاً ، فدخلت فيها النار قال : فقال - واللـه أعلم - لا هى أطعمتها ولا سقيتها حين حبستها ولا هى أرسلتها تأكل من خشاش الأرض )) ([6]) .
لذا يأمرنا الصادق المصدوق كما فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم يقول صلى الله عليه وسلم:
(( اتقوا النار ، ولو بشق تمره )) ([7]) .
فقد ينجو العبد من النار بشق تمرة ، فإن ثقل الميزان بحسنة سعد العبد بعدها سعادة لا شقاوة بعدها أبداً ، وإن خف الميزان ولو بسيئة شقى العبد شقاوة لا سعادة بعدها أبداً ، وإن تساوت الموازين فهو من أهل الأعراف والراجح من أقوال أكثر أهل العلم أن اللـه جل وعلا يتغمدهم برحمته فيدخلهم الجنة .
([1]) شرح الطحاوية بتحقيق الألبانى : ص : 419 .
([2]) شرح الطحاوية بتحقيق الألبانى ص 417 .
([3]) رواه البخارى رقم (6478) فى الرقاق ، باب حفظ اللسان ، ومسلم رقم (2988) فى الذهد ، باب التكلم بالكلمة يهوى بها فى النار ، والترمذى فى الذهد .
([4]) رواه مسلم رقم (2626) فى البر والصلاة ، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء .
([5]) رواه البخارى رقم (3321) بدء الخلق ، باب إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم رقم (2245) فى السلام ، فضل سقى البهائم المحتبسة ، واللفظ له ، ورواه أيضاً أبو داود رقم (2550) فى الجهاد .
([6]) رواه البخارى رقم (2365) فى المساقاة ، باب فضل سقى الماء ، واللفظ له ، ومسلم (2619) فى البر والصلاة ، باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها .
([7]) رواه البخارى رقم (1417) فى الزكاة ، باب اتقوا النار ولو بشق تمره ، ومسلم رقم (1016) فى الزكاة باب الحث على الصدق ولو بشق تمرة ، والنسائى (5/ 74 ، 75) فى الزكاة
كلا .. !! كلا .. !!
بل إذا انقضى الحساب أمر اللـه جلا وعلا أن ينصب الميزان فإن الحساب لتقرير الأعمال ، وإن الوزن لإظهار مقدارها ليكون الجزاء بحسابه وليظهر عدل اللـه للبشرية كلها فى ساحة الحساب فتوزن أعمال المؤمن لإظهار فضله ، وتوزن أعمال الكافر لإظهار خزيه وذله على رؤوس الأشهاد وما ربك بظلام للعبيد .
والآن نسأل ...
ما هو الميزان ؟!
: ما هو الميزان ؟!
الميزان على صورته وكيفيته التى يوجد عليها الآن من الغيب الذى أمر الصادق المصدوق أن نؤمن به من غير زيادة ولا نقصان ، وهذه هى حقيقة الإيمان ، فيا خسران من كذب بالغيب وأنكر وضع الميزان ، و فتح فى آيات الرحيم الرحمن واستهزاء بكلام سيد ولد عدنان ، ثم تطاول فقال قول ملحد خبيث جبان : " لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال أو الفوال " وما أحراة بأن يكون من الذين لا يقيم اللـه لهم يوم القيامة وزناً ([1]) .
لأنه بجهله وغباءه وانغلاق قلبه ظن أن ميزان الآخرة كميزان الدنيا ، ومن البديهى أن جميع أحوال الآخرة لا تكيف أبداً ولا تقاس البتة بأحوال الدنيا ، ولقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه اللـه إجماع أهل السنة على : الإيمان بالميزان وأن الميزان له لسان وكِـَـفتان - بكسر الكاف وفتحها واللغتان صحيحتان - وأن أعمال العباد توزن به يوم القيامة .
وقال الإمام بن أبى العز الحنفى فى شرح العقيدة الطحاوية المشهورة قال: " والذى دلت عليه السنة أن الميزان الذى توزن به الأعمال يوم القيامة له كفتان حسيتان مشاهدتان " أ.هـ ([2]) .
والله أعلم بما وراء زلك من الكيفيات .
أيها المسلم لا يعلم حقيقة الميزان وطبيعة الميزان وكيفية الميزان إلا الملك الرحمن ، وإلا فهل تستطيع أن تتصور ميزانا يوضع فى يوم القيامة يقول فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( لو وزنت فيه السموات والأرض لوزنها )) .
كيف تصور هذا الميزان ؟!
ففى الحديث الذى رواه الحاكم فى المستدرك وصححه على شرط مسلم وأقر الحاكم الذهبى بل وصحح إسناد الحديث الألبانى فى السلسلة الصحيحة من حديث سلمان الفارسى أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم قال : (( يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوزنهما ، فإذا رأته الملائكة قالت : يارب لمن يزن هذا ؟ قال : لمن شئت من خلقى ، فتقول الملائكة : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك )) .
تأمل .. لقد عرفت الملائكة أنها ما عبدت الرحمن حق عبادته من شدة الهول والرعب ، فإن مشهد الميزان من أرهب مشاهد القيامة فالميزان حق ، قال جل وعلا { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }
[ الأنبياء : 47 ]
بين اللـه تعالى أنه يضع الموازين بالقسط ( أى بالعدل ) وكفى باللـه جل وعلا حسيبا ، والراجح من أقول أهل العلم أن الميزان يوم القيامة ميزان واحد .
فما جوابك على الجمع فى قوله تعالى { ونضع الموازين } الراجح من أقوال العلماء أن الجمع فى الآية باعتبار تعدد الأوزان أو الموزون ، لأن الميزان يوزن فيه أشياء كثيرة ، وبين الملك العدل أنا الميزان إن ثقل لو بحسنة واحدة فقد سعد صاحبها سعادة لا يشقى بعدها أبداً ، وإن خف الميزان ولو بسيئة واحدة فقد شقى صاحبه شقاوة لا يسعد بعدها أبداً ، قال جل وعلا : { فَإذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ(101)فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(102)وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ(103)تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [ المؤمنون : 101 - 104 ] .
انظر إلى دقه عدل الملك من ثقل ميزانه لو بحسنة واحدة سعد سعادة لا شقاوة بعدها أبداً ، ومن خف ميزانه شقى شقاوة لا سعادة بعدها أبداً ، أما من استوت موازينه ، أى استوت حسناته مع سيئاته ، فهو على الراجح من أقوال العلماء من أهل الأعراف الذين قصرت بهم سيئاتهم فلم يدخلوا الجنة ومنعتهم حسناتهم من أن يدخلوا النار ، يحبسون على قنطره بين الجنة والنار ، إذا التفت أهل الأعراف إلى أهل الجنة سلموا عليهم { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } [ الأعراف : 46 ] .
أى لم يدخلوا أهل الأعراف الجنة وهم يرجون رحمه اللـه ، ويطمعون أن يدخلوا الجنة ، وإذا التفتوا إلى الناصية الأخرى ورأوا أهل الجحيم تضرعوا إلى الملك العليم ألا يجعلهم مع القوم الظالمين .
قال جل وعلا : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ(46)وَإذا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَالَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [ الأعراف : 46 - 47 ] .
إذا أيها المسلم الموحد حرى بك إذا ما تعرفت على أقسام الموازين الثلاثة ألا تحتقر أى عمل صالح ولو قل ، وألا تستهين بمعصية واحدة ولو صغيرة ، فأعلم أنه بحسنة واحدة يثقل الميزان وبسيئة واحدة يخف الميزان ، بل بكلمة واحدة نقاد إلى رضا الرحمن ، وبكلمة واحدة ننال سخط الجبار .
ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
(( إن العبد ليتكلم بكلمة من رضوان اللـه لا يلقى لها بالاً يرفعه اللـه بها فى الجنة ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللـه لا يلقى لها بالاً فيهوى بها فى جهنم )) ([3]) .
قد يستهين كثيراً منا بخطورة الكلمة ، وكم من كلمات أشعلت حروباً بين أمم ودول !! وكم من كلمات أطفأت حروباً بين أمم ودول .
يا صاحب الكلمة اعلم علم اليقين أن كلمه تدخل المرء فى دين اللـه ، وكلمة تبنى بيت وكلمة تهدم بيت ، وكلمة تحل فرج امرأة لرجل ، وكلمة تحرم فرج امرأة لرجل .
فالكلمة لها خطرها الجسيم فى دين اللـه فبكلمة تنال الرضوان ، وبكلمة تتعرض لسخط الرحمن ، فحسنه تثقل ميزان العبد وتدخله الجنة وسيئه تخف ميزان العبد وتدخله النار ، لذا ثبت فى صحيح مسلم من حديث أبى ذر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
(( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو تلقى أخاك بوجه طلق )) ([4]) .
لا تقل هذا عمل بسيط ، هذه طاعة صغيرة أو حقيرة ، فكم من عمل صغير عظمته النية !! وكم من عمل عظيم حقرته النية !!
فلا تحقرن من المعروف شيئاً فإن عجزت فإنك لن تعجز أيها المسلم أن تهش وتبش فى وجه إخوانك ، فما من بيت تخلو منه المشاكل ، فابتسامتك هذه التى تحتقرها من الممكن أن تسعد قلب حزين ، فابتسامتك هذه ممكن أن تزيل ألم أخيك النفسى ، فما ذنب أخيك أن تلقاه بوجه عبوس كئيب.
بل لقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة :
(( إن امرأة بغياً رأت كلباً فى يوم حار يطوف ببئر ، قد أدلع لسانه من العطش ، فنزعت له بموقها ( أى أنها استقت له من البئر ، والموق هنا هو الخف ) فغُفِر لها )) ([5]) .
أود أن أقول : إذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا فكيف تصنع الرحمة بمن وحد رب البرايا ؟!
نعم نحتاج إلى رحمه ، نحتاج إلى رفق ، فالرحمة والرفق لا يهدمان ولا يفسدان أبداً ، والشدة والعنف يهدمان ويفسدان ، هذه سنة اللـه فى خلقه ، ما كان الرفق فى شىء إلا زانه وما نزع الرفق من شئ إلا شانه .
ففى الصحيحين البخارى ومسلم من حديث ابن عمر رضى اللـه عنهما قال صلى الله عليه وسلم:
(( عذبت امرأة فى هرة حبستها حتى ماتت جوعاً ، فدخلت فيها النار قال : فقال - واللـه أعلم - لا هى أطعمتها ولا سقيتها حين حبستها ولا هى أرسلتها تأكل من خشاش الأرض )) ([6]) .
لذا يأمرنا الصادق المصدوق كما فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم يقول صلى الله عليه وسلم:
(( اتقوا النار ، ولو بشق تمره )) ([7]) .
فقد ينجو العبد من النار بشق تمرة ، فإن ثقل الميزان بحسنة سعد العبد بعدها سعادة لا شقاوة بعدها أبداً ، وإن خف الميزان ولو بسيئة شقى العبد شقاوة لا سعادة بعدها أبداً ، وإن تساوت الموازين فهو من أهل الأعراف والراجح من أقوال أكثر أهل العلم أن اللـه جل وعلا يتغمدهم برحمته فيدخلهم الجنة .
([1]) شرح الطحاوية بتحقيق الألبانى : ص : 419 .
([2]) شرح الطحاوية بتحقيق الألبانى ص 417 .
([3]) رواه البخارى رقم (6478) فى الرقاق ، باب حفظ اللسان ، ومسلم رقم (2988) فى الذهد ، باب التكلم بالكلمة يهوى بها فى النار ، والترمذى فى الذهد .
([4]) رواه مسلم رقم (2626) فى البر والصلاة ، باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء .
([5]) رواه البخارى رقم (3321) بدء الخلق ، باب إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم رقم (2245) فى السلام ، فضل سقى البهائم المحتبسة ، واللفظ له ، ورواه أيضاً أبو داود رقم (2550) فى الجهاد .
([6]) رواه البخارى رقم (2365) فى المساقاة ، باب فضل سقى الماء ، واللفظ له ، ومسلم (2619) فى البر والصلاة ، باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها .
([7]) رواه البخارى رقم (1417) فى الزكاة ، باب اتقوا النار ولو بشق تمره ، ومسلم رقم (1016) فى الزكاة باب الحث على الصدق ولو بشق تمرة ، والنسائى (5/ 74 ، 75) فى الزكاة